خطورة التبرع بالألبان للدول الفقيرة
مسحوق اللبن
الصناعي يعتبر صنفاً محبباً من أصناف الغذاء الذي تقدمه الدول
الغنية إلى الدول التي تعاني من كوارث ومجاعات ، ولكن المعارضة على
هذه المعونات تتزايد لأنها تعيق استمرار الرضاعة الطبيعية التي
تعتبر أفضل وسيلة لحماية الطفل -فاستخدام قارورة الرضاعة مرة واحدة
قد يجعل الطفل يعاف الرضاعة من الثدي مرة أخرى ، كما تتعرض هذه
المساحيق بسهولة إلى التلوث أثناء تحضيرها نتيجة لتدني مستويات
النظافة في المناطق المنكوبة .. وهذا كله يعرض الأطفال في تلك
المجتمعات الفقيرة للخطر ، ويهدد بانتشار أوبئة الإسهال والنزلات
الشعبية والرئوية القاتلة .
وعلى الرغم من
توصيات خبراء التغذية بعدم التوسع في استخدامها ، مازالت المجتمعات
الدولية تقدّم الألبان الصناعية كمعونات ، وتعتبر منظمة الصليب
الأحمر أكبر المنظمات التي توزع الألبان الصناعية في العالم ، وأحد
الأسباب الهامة وراء انخفاض معدلات الرضاعة الطبيعية في العالم كان
بسبب برامج المساعدات الدولية في فترة الأربعينات والخمسينات .
.. إن إنتاج اللبن
الصناعي الفائض عن حاجة الدول الغربية في عام 1986 م وحده ، يمكن
أن يملئ إستاد الكولوسيوم في روما إلى ارتفاع 14 كيلومتر في
السماء ؛ ولذا تُقبل الدول الغربية بشغف على توزيعه كمعونات حتى
تتخلص من المختزن لديها ، وهي في نفس الوقت تشعر بالراحة لأنها
توزعه على المحتاجين .. واللبن عند أغلب الناس رمز للغذاء الصحي
المفيد .
.. وعلى الجانب
الأخر ، ينظر المستقبلون للمعونات بعين الرضاء إلى اللبن الصناعي ،
على سبيل المثال طلبت البرازيل -عقب إصابتها بفيضانات مدمرة-
إمدادها بمعونات اللبن وقوارير الرضاعة والحلمات الصناعية ، وعلى
الفور نصحها المختصون بالرابطة المشتركة للهلال والصليب الأحمر
بعدم جدوى هذا ، ومع هذا أصرت حكومة البرازيل على طلبها وحصلت على
ما تريده من فروع منظمة الصليب الأحمر الأوروبي ، وساهم الصليب
الأحمر الفرنسي في توزيع أقراص مصنعة من مسحوق اللبن المجفف ، وذلك
على الرغم من سياسة تمنع توزيعها .
في إثيوبيا لم ينفع
توزيع الألبان المجففة على البالغين ، فاللبن لا يعتبر غذاء
رئيسياً على موائدهم ، وكان من الممكن أن يوزع أصناف أخرى من أغذية
معروفة لديهم .. والمختصون يرون أن مع اعتياد الناس على هذه
الوجبات الجديدة يزداد الطلب عليها ويتناقص المخزون
منها ؛ وبالتالي ترتفع أسعارها .
.. وتحكي إحدى
المختصات عن منظر أهالها ، عقب زيارتها إحدى مناطق الكوارث في
بنجلاديش ، وهو منظر أم وابنتها ، يعيشان في العراء دون مأوى ،
وهما ترضعان أحد الأطفال من قارورة -حصلت عليها من المعونات
الأجنبية- وتحت ظروف قاسية لا تجد فيها ماءً صالحا لغسل القارورة
وتخفيف اللبن ..
تستورد سيراليون
الألبان من الولايات المتحدة الأمريكية وتوزعها الجماعات المسيحية
الكاثوليكية على الفقراء ، اللبن مع الزيت يوزعان على الأمهات
اللاتي يراجعن العيادات في المستشفيات ، ولهذا تفضل الأمهات الذهاب
إلى العيادات سعياً وراء المعونات المجانية ، بينما لا يرى الأطباء
أية جدوى من هذه المواد .. ونتيجة لذلك انخفضت نسبة الأمهات اللاتي
يرضعن طبيعياً من 75% عام 1979 م إلى 35% عام 1989 م ، وفي الجزء
الغربي من سيراليون لا يرضع من الثدي سوى 13% فقط من الأطفال ،
والباقين أغلبهم يعانون من سوء التغذية .. وأثناء الفيضانات التي
ضربت جواتيمالا عامي 1983-1984 م ، استوردت منظمة اليونيسيف وقتها
ألباناً مجففة ووزعتها على الأطفال ، وعلى الرغم من نصحها الأمهات
بعدم استخدام قارورة الرضاعة في إطعام الأطفال ، استخدمت الأمهات
القوارير ، وتلوثت عبوات الألبان فور فتحها ، وتسبب ذلك في انتشار
الأمراض ، وفي النهاية فشل برنامج المساعدة وتوقف .
..
وأثناء الحرب الأهلية بنيكاراجوا ،
وفي
أعقاب زلزال المكسيك ، وصلت مساعدات الألبان الصناعية ، وعلى الفور
تناقصت معدلات الرضاعة الطبيعية .
والخلاصة هي : أن
معونات الألبان الصناعية تهدد الرضاعة الطبيعية ، وتوجد اعتماداً
مستمراً عليها من الدول المحتاجة ، وفي النهاية يقع الضرر على
المحتاجين بينما ينتفع من ذلك الدول المتبرعة التي يزداد الطلب
والشراء على منتجاتها .
|